الإثنين آذار 19, 2012
 
نسيج المشهد لهاني حوراني
 


قد تكون أعمال هذا المعرض بمثابة أوراق منتزعة من مخطوطة ليوميات شخصية عمرها نحو عشرة
أعوام أو أكثر. فهي تعكس التقلبات والمحاولات التي سعيت من خلالها مد مساحة الحرية
الممكنة في أكثر من إتجاه، مستنفراً الطاقة اللامرئية للتخيل، وبالأحرى للتعامل مع
عالم مركب، يتنازعه الواقعي والمتخيل.

إن مجموعة الأعمال المبكرة نسبياً تحاول قول أشياء غير متداولة، أو تقديم إقتراحات وإضافات
على ما نعرفه من قبل، وربما لقول الأشياء ذاتها لكن بلغة أخرى. مثل تلك الأعمال التي
تدمج الحروفية في نسيج اللوحة، أو تلك الأعمال التي تختزل المشهد إلى أقل عناصره وتبتعد
عن الدرامية إلى الاحتفاء ببساطة الموضوع وغنى السطوح بالتفاصيل غير الملحوظة عادة،
وتلجأ إلى الدرجات اللونية الباهتة أو الأقل سطوعاً. إن الملمس والأثر هو بطل المشهد،
وهو في الوقت نفسه تكريم ومجاراة لفعل الزمن على الأشياء المحيطة بنا، مثل الجدران
القديمة والأجسام المتقادمة لقطع الأثاث أو الأبواب أو السيارات التي تؤول إلى مخلفات.

في المجموعة الأخيرة من أعمال المعرض حاولت أن أخرج المنظر العام أو المشهد من ثوبه التقليدي
"الواقعي"، وجعله أقرب إلى النسيج الذي تتقاطع خيوطه، أو مصادره ما بين الواقع
والخيال في حياكة بصرية لا تلغي أحدهما لحساب الآخر، إن الواقع والخيال هما الخيوط
الأفقية والعمودية التي تشكل حياكتهما نسيجاً واحداً، تماماً مثل قطعة القماش.

وإذ كانت أعمالي الأبكر كانت تضعني على تخوم عدة مدارس فنية دون أن أحاول أن أندرج في تضاعيف
إحداها، ربما بدافع الملل أو الاحتفاظ بهامش حرية أكبر. إلا أن مجموعتي الأخيرة أخذت
تندرج أكثر في اطار التعامل مع المشهد، حيث أجد نفسي مندفعاً أكثر نحو مهمة طوباوية:
بناء عالم متخيل، ومحاولة اقتراحه كعالم قابل للتحقق. إن هذه المجموعة تقترح عالماً
من المشاهد التي يؤلفها نسيج الواقع والخيال معاً، إنها مشاهد لعالم عضوي، ينمو بحرية
ويتحرك بإنسيابية الخط العربي ورشاقته. إنه عالم يتشكل بعفوية، لكن ليس بعيداً عن مرجعيات
بصرية، قد تكون أحدهما أرضيات الفسيفساء القديمة التي حفلت بها بلادنا، وقد يكون مصدرها
لوحات الزجاج المرصص على نوافذ المساجد والكنائس القديمة. لكن ثمة مرجعية بصرية أخرى
ذات طبيعة معاصرة، وهي نتاج الثورة الرقمية، كما نراها من خلال شاشات التلفاز أو الكمبيوتر:
مجموعة هائلة من النقاط التي تشكل المشهد.

في جو القتامة الذي نحاول الخروج منه ثمة نافذة للحرية والضوء، وثمة أحلام وعوالم متخيلة.
ثمة عمائر ومدائن لينة، وثمة حقول وهضاب منسوجة من مواد تشبه الشجر والماء والهواء،
إنها مشاهد لعالم يحاكي الغابة ومدن عضوية تنمو كما ينمو الشجر.

هاني حوراني